responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 601
فَكَانَ الِانْعِدَامُ لَازِمًا عُرْفِيًّا لِلْقِلَّةِ ادِّعَائِيًّا فَتَكُونُ (مَا) مَصْدَرِيَّةً وَالْوَجْهَانِ أَشَارَ إِلَيْهِمَا فِي «الْكَشَّافِ» بِاخْتِصَارٍ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْهُمَا فِي تَفْسِيرِهِ قَوْلَهُ تَعَالَى:
أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ فِي سُورَةِ النَّمْلِ [62] فَقَالَ: «وَالْمَعْنَى نَفْيُ التَّذْكِيرِ وَالْقِلَّةُ تُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَى النَّفْيِ» وَكَأَنَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّ التَّذَكُّرَ مِنْ شَأْنِهِ تَحْصِيلُ الْعِلْمِ فَلَوْ تَذَكَّرَ الْمُشْرِكُونَ الْمُخَاطَبُونَ بِالْآيَةِ لَحَصَلَ لَهُمُ الْعِلْمُ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، كَيْفَ وَخِطَابُهُمْ بِقَوْلِهِ: أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِنْكَارُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ معتقدين ذَلِك.
[89]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 89]
وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (89)
مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ [الْبَقَرَة: 88] لِقَصْدِ الزِّيَادَةِ فِي الْإِنْحَاءِ عَلَيْهِمْ بِالتَّوْبِيخِ فَإِنَّهُمْ لَوْ أَعْرَضُوا عَنِ الدَّعْوَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ إِعْرَاضًا مُجَرَّدًا عَنِ الْأَدِلَّةِ لَكَانَ فِي إِعْرَاضِهِمْ مَعْذِرَةٌ مَا وَلَكِنَّهُمْ أَعْرَضُوا وَكَفَرُوا بِالْكِتَابِ الَّذِي جَاءَ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ وَالَّذِي كَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ بِهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. فَقَوْلُهُ: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِجَاءَهُمْ وَلَيْسَ صِفَةً لِأَنَّهُ لَيْسَ أَمْرًا مُشَاهَدًا مَعْلُومًا حَتَّى يُوصَفَ بِهِ. وَقَوْلُهُ: مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَصْفُ شَأْنٍ لِقَصْدِ زِيَادَةِ التَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِالْمَذَمَّةِ فِي هَذَا الْكُفْرِ وَالْقَوْلُ فِي تَفْسِيرِهِ قَدْ مَضَى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ [الْبَقَرَة: 41] .
وَالِاسْتِفْتَاحُ ظَاهِرُهُ طَلَبُ الْفَتْحِ أَيِ النَّصْرِ قَالَ تَعَالَى: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ [الْأَنْفَال: 19] وَقَدْ فَسَّرُوهُ بِأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا قَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ أَيْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ اسْتَنْصَرُوا عَلَيْهِمْ بِسُؤَالِ اللَّهِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِمُ الرَّسُولَ الْمَوْعُودَ بِهِ فِي التَّوْرَاةِ. وَجَوَّزَ أَنْ يَكُونَ يَسْتَفْتِحُونَ بِمَعْنَى يَفْتَحُونَ أَيْ يَعْلَمُونَ وَيُخْبِرُونَ كَمَا يُقَالُ فَتَحَ عَلَى الْقَارِئِ أَيْ عَلَّمَهُ
الْآيَةَ الَّتِي يَنْسَاهَا فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ مِثْلَ زِيَادَتِهِمَا فِي اسْتَعْصَمَ وَاسْتَصْرَخَ وَاسْتَعْجَبَ وَالْمُرَادُ كَانُوا يُخْبِرُونَ الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ رَسُولًا سَيُبْعَثُ فَيُؤَيِّدُ الْمُؤْمِنِينَ وَيُعَاقِبُ الْمُشْرِكِينَ. وَقَوْلُهُ: فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا أَيْ مَا كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِهِ أَيْ لَمَّا جَاءَ الْكِتَابُ الَّذِي عَرَفُوهُ كَفَرُوا بِهِ وَقَدْ عُدِلَ عَنْ أَنْ يُقَالَ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْكِتَابُ لِيَكُونَ اللَّفْظُ أَشْمَلَ فَيَشْمَلَ الْكِتَابَ وَالرَّسُولَ الَّذِي جَاءَ بِهِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 601
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست